حازم الشرقاوي يكتب: ياسر رزق المتعلق بالبيت العتيق

حازم الشرقاوي
حازم الشرقاوي

أكتب هذه الكلمات وقلبي يعتصر حزناً وألماً على أخي العزيز ياسر رزق الذي وافته المنية اليوم، لن أكتب عن مواقفه الإنسانية مع زملائه وغيرهم، أو قدراته وإمكاناته المهنية، ولكن أكتب عن بُعد آخر قد لا يعلمه أحد إلا الله جلّ في علاه، أكتب عن ارتباطه بالمكان الذي توطدت فيه علاقتنا، وتحوّلت إلى أخوة ومحبة حقيقية في الله، وهو الكعبة المشرفة ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لقد أديت - بفضل الله -مناسك العمرة والحج مرات كثيرة، من بينها بصحبة بعض الأصدقاء، منها مرتين مع الأستاذ ياسر رزق، فقد فوجئت في المرة الأولى تعلقه الشديد بالكعبة المشرفة والصلاة في المسجد الحرام، طوافه حول الكعبة كان يستغرق الساعات، فهو يحاول في كل شوط لمس كل مكان وقطعة من الكعبة وتقبيلها، وكان يقف كثيراً تحت بابها متعلقاً بها داعياً بخشوع وبكاء راجياً من الله الرحمة والمغفرة والدعاء لأمه وأهله ومحبيه ولمصرنا العزيزة، ويطيل ويكثر من الصلاة في حجر إسماعيل ومقام إبراهيم، ولقد ركع وصلى تحت الكعبة مباشرة داخل حجر إسماعيل، وظل يدعو الله ويلتمس رحماته ومغفرته.

وفي المرة الثانية حاول الدخول في الازدحام حول الحجر الأسود لتقبيله واشتد حوله الناس وضغطوا عليه بقوة حتى كاد يلقى الله في هذا المكان، وساعدته في الخروج من بينهم من شدة الازدحام، وأتذكر أيضا أننا قمنا سويا بشراء مجموعة من العربات التي يستخدمها كبار السن واصحاب الاحتياجات الخاصة وسلمناها لادارة العربات في الحرم وكتب عليها وقف للحرم عن والدينا.

كان يُكثر من الصلاة ويُطيل فيها بالمسجد الحرام لدرجة أني سألته عن السبب، فردّ بخشوع وعيناه كادتا تدمعان: الصلاة هنا بمائة ألف صلاة، وأسأل الله أن أعوّض ما فاتني في الماضي، وكان يصرّ على القيام بطواف الوداع بعد العمرة لدرجة عندما تأخرنا في الطواف  اعتقدت أن الطائرة ستتركنا، ولكن بعد الانتهاء ربنا كرمنا بسائق سعودي أخذ الطريق ما بين مكة المكرمة ومطار جدة في زمن قياسي أقل من الساعة، وركبنا الطائرة في موعدها، وأيضاً كان مرتبطاً ومحباً للصلاة في مسجد رسول الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يُكثر من الدعاء والصلاة في  مسجد رسول الله.

أما وصيته واتفاق المحبة بيننا فكان هو: الاتصال به كلما ذهبت لأداء مناسك العمرة أو الحج، وكان يقابل الاتصال بلهفة شديدة ومحبة وارتباط بالمكان الطاهر، وكان آخر اتصال بيننا عبر الفيديو من رحاب الكعبة المشرفة يوم 29 ديسمبر 2021، وأخذ يدعو الله كثيراً، ثم نادى زوجته أختنا الفاضلة الأستاذة أماني ضرغام وابنه وكلهم يدعون الله بخشوع ويرجون رحمته ومغفرته.

هذا هو ياسر رزق الذي عرفته.

يا الله إن عبدك ياسر رزق بين يديك وفي رحابك وأنت أرحم الراحمين وأنت وحدك تعلم كل ما كتبته عنه في هذه السطور أسألك يا الله أن تتقبله برحمتك ومغفرتك وأن تجعل قبره روضة من رياض الجنة وأن تُسكنه فسيح جناتك يارب العالمين.